القهوة حرام !!

القهوة حرام !!

القهوة لم تكن مجرد مشروب عابر حين ظهرت، بل كانت ظاهرة اجتماعية وسياسية أثارت الكثير من الجدل. كلما دخلت القهوة إلى منطقة جديدة، لم يكن استقبالها سلسًا، بل غالبًا ما واجهت مقاومة من السلطات الدينية أو السياسية.



1. مكة — 1511م: ولاية خُيّر بيك

  • في عام 1511، تدخل والي مكة المعروف بـ خُيّر بيك وفرض حظرًا على القهوة ومقاهيها، مع مصادرة وحرق للحبوب المباعة في الأسواق. الدافع المعلن كان أن القهوة تُثير الفكر والتجمعات المناهضة للسلطة.
  • لكن القرار لم يستمر: استُصدر لاحقًا قرار من السلطان في مصر بإلغاء الحظر، فتدخّل العلماء وأصحاب النفوذ، وعادت القهوة للعمل الطبيعي.
  • هذا الحظر غالبًا كان رمزياً أو مؤقتًا، ولم يمتلك أدوات إنفاذ قوية في المجتمع العميق.


2. القاهرة 1532م

  • بعد انتقال انتشار القهوة إلى مصر، حاولت السلطات في القاهرة فرض حظر على المقاهي ومخازن البن، وقامت بمداهمات وعمليات تكسير وتحطيم لمخزون البن.
  • هذا الحظر أيضًا لم يُطبق بالكامل، وعادت الحالة إلى ما قبل الحظر بعد فترة قصيرة.


3. الدولة العثمانية: إسطنبول ومحاولات عدة على المقاهي


حالة مراد الرابع (1633م)

  • أشهر حالات الحظر جاءت تحت حكم السلطان مراد الرابع، الذي في عام 1633 أعلن منع شرب القهوة والتواجد في المقاهي علنًا.
  • يُروى أنه كان يتجوّل بنفسه متنكرًا في شوارع إسطنبول ليضبط المخالفين بنفسه، ويطبق عقوبات صارمة، قد تصل إلى الجلد أو الإعدام.
  • السبب المعلن: اعتقاد أن المقاهي تُشكّل بؤرًا للنقاش والشائعات.
  • الحظر ظل ساريًا في عدد من المدن والولايات داخليًا حتى بعد عهد مراد.


4. إثيوبيا – الكنيسة الأرثوذكسية

  • في إثيوبيا، الكنيسة الأرثوذكسية كان لديها موقف تحفظي من القهوة في فترات قديمة، ووصفتها بأنها “شراب مسلم” أو ذات ارتباط ديني غير مرغوب فيه في بعض الأوساط المسيحية التقليدية.
  • في القرن التاسع عشر، مع انتقال السلطة السياسية نحو الدولة المركزية، تغير الموقف تدريجيًا وبدء انتشار شرب القهوة بين جميع الأطياف. يُذكر أن الإمبراطور مينيليك الثاني لعب دورًا في تشجيع المقاهي وإزالة بعض القيود.




محاولات الحظر في أوروبا بتهمة مثل ( شراب المسلمين )


في أوروبا خلال القرنين 16 و17م، وُصفت القهوة بأوصاف متناقضة:


بعض رجال الكنيسة الكاثوليكية في إيطاليا قالوا إنها “شراب المسلمين” (drink of the Muslims) لأنها جاءت من الشرق عبر العثمانيين، وكانوا يخشون أن تكون وسيلة “لتلويث المؤمنين” بعادات غير مسيحية.

في المقابل، بعض الوعّاظ البروتستانت وصفوها بـ “شراب الكفار” لأنها قادمة من أراضٍ غير نصرانية.

في روما، رُفعت القضية إلى البابا كليمنت الثامن (1590م تقريبًا)، فقيل له إنها “شراب الشيطان الذي يشربه المسلمون”. فطلب تذوقها بنفسه، فأُعجب بها وقال ما معناه:

“هذا الشراب لذيذ جدًا لدرجة أنه سيكون خطأ أن نتركه للكفار وحدهم.”
ثم سمح بشربها رسميًا في أوروبا الكاثوليكية.

القهوة كانت تُنظر إليها أولًا كمشروب “غريب”، “شرقي”، و”مسلم”، قبل أن تتحول إلى رمز للحضارة الأوروبية الحديثة.


ومما حصل في منع وتحريم القهوة التالي :


1. إنجلترا — عهد تشارلز الثاني (القرن السابع عشر)

  • في إنجلترا حوالي عام 1675، حاول الملك تشارلز الثاني إصدار مرسوم يُعاقب المقاهي بسبب دورها في نشر الشائعات والتحريض السياسي.
  • لكن القرار لم يُنفَّذ، وأُسقِط قبل أن يصبح نافذ المفعول، لأن المقاهي أصبحت ذات زخَم ثقافي واجتماعي سريعًا.


2. السويد — خمس فترات حظر (1750–1823)

  • في السويد، القهوة فُرضت قيودًا وحُظرت عدة مرات (في أعوام 1756–1761، 1766–1769، 1794–1796، 1799–1802، و1817–1823).
  • في بعض الحالات كان الحظر جزئيًا (تقييد استهلاك أو فرض ضرائب مشددة)، ومعها رسائل وطنية تدعو المواطنين إلى تشجيع استهلاك المنتجات المحلية بدل القهوة المستوردة.
  • الملك غوستاف الثالث طلب إجراء تجربة طبية بين توأمين: أحدهما يشرب القهوة وآخر يشرب الشاي طوال حياته، ليُقاس التأثير على الصحة. التجربة لم تثبت أن القهوة ضارة بشكل واضح.
  • القوانين قوبلت بالاهتمام الشعبي والمخالفة. بعض المناطق ظلت تستهلك القهوة خلسة، وأُعيد فتح الحظر بعد فترات.


3. بروسيا (Prussia) / ألمانيا

  • في بروسيا، تحت حكم فريدريك الأكبر وبعض حكّام الولايات الألمانية الأخرى، حاولوا تقليص استهلاك القهوة وفرض ضرائب عالية جدًا على استيرادها أو تحميصها.
  • أنشئ جهاز من “كاتبين الروائح” (coffee sniffers) وهم أفراد يُكلّفون باستششاف المنازل والمخابز والأماكن التي يُحتمل أن يُخمَّر فيها القهوة بشكل غير قانوني.
  • في الواقع، التحايل كان سهلاً، والحظر فشل عمليًا؛ القهوة أصبحت جزءًا راسخًا من الثقافة الأوروبية في نهاية المطاف.


4. المحاولات الكنسية في المسيحية

  • في أوروبا بعض رجال الكنيسة في بدايات انتشار القهوة وصفتها بأنها مشروب شيطاني أو شراب جديد يضر بالروح، ودعوا إلى تحريمها أو رفض استخدامها داخل دور العبادة.
  • من الأساطير الشهيرة (لكن غير المؤكدة) أن البابا كليمنت الثامن تلقّى شكاوى بأن القهوة شراب الشيطان، فأمر بتجربتها بنفسه، فأعجب بها فوهبها “معمودية” بدل حظرها. كثير من المؤرخين يرون هذه القصة كرواية شعبية وليست موثقة تاريخيًا.



ورغم ما واجهته القهوة من منعٍ وجدَلٍ وانصدامٍ ثقافي في بداياتها، فإنها لم تتراجع، بل فرضت نفسها بقوة على كل الشعوب.

من مكة إلى إسطنبول، ومن فيينا إلى لندن، حاولت السلطات تقييدها، لكن القهوة كانت تنتصر دائمًا برائحتها وسحرها الاجتماعي.


منذ القرن السابع عشر بدأت المقاهي تنتشر في أوروبا بسرعة مذهلة، وتحولت إلى مراكز فكر وثقافة وأدب، حتى سُمّيت القهوة بـ “مشروب التنوير”.

وفي القرون التالية، أصبحت القهوة ثاني أكثر مشروب استهلاكًا في العالم بعد الماء — بل في بعض الدول تتفوّق عليه في الحضور اليومي والطقوس الاجتماعية.


مشروب حاولوا منعه… فصار لغة عالمية تجمع الناس كل صباح.